وقد انعقدت الحكمة إن التغيير المفضي للأفضل هو ما ينبغي أن يسعى إليه العقلاء، وان آفة البغاة ان يُحمَدوا بما لم يفعلوا وان يسعوا بالنميمة بين الناس

ان النظام الصحي في تشاد.. وبرغم حرص القيادة على انجاحه وبرغم ابتلاعه للالاف من موظفي الدولة الذين يكثر فيهم الخير.. إلا أنهيحتاج عاجلاً لعملية إنعاش جادة.. تحفظ موارد الدولة على شحها.. وتعيد الثقة بين أفراد النظام الصحي ومجتمعهم الذي تحمّل كثيرآوصبر كأيوب.. وتحمل عن كاهل ميزانية الدولة التكاليف الباهظة التي ترهق الميزان ولا يرى لها حسبان.

نظامنا الصحي يفتقر لأهم أسس الأنظمة “الرقابة المتخصصة”.  إن ما يحدث حالياً لهو اللهو بأرواح الناس وإضاعة مدخراتهمواسترخاص أرواحهم دون رقيب او حسيب. والمقصود بالرقيب ليس المفتشية الملحقة بوزارة الصحة، هذا الجهاز المتخم بالمنتفعين والمتكرشين وفاقدي التخصص والخبرة. بل على العكس فإن هذه المفتشية بشكلها الحالي هي من أسباب استفحال داء الفساد في الوزارة. إن المقصود بالرقابة لهو الهرم الثلاثي المتداخل المبتدأ بالانظمة الصحية الواضحة في تحديد الشكل الوظيفي لمنتسبي القطاع الصحي كاملا وعلى كافة مستوياته وتفرعاته عاما او خاصا، ثم التدريب والتأهيل المتواصل المبنى على احتياجات المجتمع والموثق بالطرق المبنية على البراهين والملزم لجميع الممارسين الصحيين وآخراً بالتطبيق الصارم لاساسيات ضبط الجودة الشاملة الدورية. إن هذه السلسلة المعقدة من الإجراءات لهي السبيل الوحيد إلى نظام صحي سليم يمكن أن تعتمده الحكومة لتنال ثقة شعبها وتستثمر فيه مجهودات موظفيها وطاقاتهم وميزانياتهالتعود بالنفع على الجميع وتحقق تطلعاتها في رفاهية الإنسان.

ان النظام الصحي المعتمد على ركائزه الثلاث أنفه الذكر ليس بالغول او العنقاء او الخل الوفي كما تسامر العرب في جاهليتهم حول المستحيل، ان هذا النظام لهو بحذافيره ما تطبقه دول عدة نحسبها مرجعية فيما تقدم من خدمات صحية متطورة لشعوبها.. وفيما يتخيل إلينا ان ذلك بسبب تطور التكنولوجيا، نعزف عن البحث عن السبب الحقيقي ونتغافله.

ان تطبيق النظام الصحي المتكامل يحتاج لمؤسسات عدة تعمل بتناغم ثابت وتبادل للادوار بحيث يكمل كل منها الاخر حتى تتكون الطبقات المتعددة لحماية الشعب.

ان النظام الصحي المثالي يتكون من مؤسسات بثلاث أجسام رئيسية، تتساوى في الصلاحية وتتقاطع في المسؤولية. صلاحياتها تحكمها محكمة خاصة يرأسها متخصصون في الطب والقانون معا، يحكمهم قانون سيادي برلماني واضح. الأجسام الثلاثة هي المجلس الوطني للصحة ونقابة منسوبي القطاع الصحي ووزارة الصحة. هذه الأجسام تتبع مباشرة لأعلى هرم في الدولة، وتتمتع باستقلالية وسيادية في أعمالها تحت المحكمة الخاصة التي تنظر في سير الأعمال وتقدم توصياتها في حال استشيرت او احيلت إليها القضايا من رئاسة الوزراء. مجلس الصحة الوطني هو الجهة المسؤولية عن التصاريح والاعتراف ومراقبة تقديم الخدمات الصحية في البلاد. هذا المجلس يحدد معاييرالاعتراف بالشهادات والدراسات ومن ثم إعطاء التصاريح لممارسة الأعمال الصحية المحددة سلفاً بشكل دوري وتحديد الشروط اللازمةوالمتطلبات لإعطاء هذه التصاريح. كذلك فإن تصاريح مؤسسات التعليم الطبي والصحي ومتابعة تطبيق هذه المؤسسات للشروط المطلوبة لممارسة التعليم والتدريب الصحي والطبي تقع ضمن مسؤولية هذا المجلس. أما بالنسبة للنقابة فمهمتها الرئيسية هي اقتراح الظروفالاجتماعية والمقابل المادي المناسب لكوادر القطاع الصحي والعمل مع المؤسسات الحكومية لتوفير العيش الكريم لمن يعملون في القطاعينالحكومي والخاص سواء في أماكن العمل والمعيشة. أخيراً، وزارة الصحة ملزمة بتطبيق الخطط والسياسات الحكومية في ما يخص القطاع الصحي من توفير الوظائف وتقديم الخدمات ومراقبة سير العمل. إن التناغم بين هذه المؤسسات الثلاث نتيجته هي خدمات صحية حقيقة يستفيد منها المواطن والمقيم في كامل التراب الوطني.