نص البيان الصحفي حول الدعوى القضائية التي رفعها الاتحاد في مواجهة إقصاء اللغة العربية من المدرسة الوطنية للإدارة، والذي قدمه الاتحاد مساء اليوم الجمعة 10 سبتمبر 2021 أمام وسائل الإعلام بمشاركة المحامي آدم موسى جبريل، الموكل من قبل الاتحاد لمتابعة ملف القضية:

إلى الرأي العام الوطني والدولي
نظرا للتساؤلات والاتصالات العديدة التي تلقاها الاتحاد العام لمؤسسات دعم اللغة العربية في تشاد من جهات عديدة، حول الدعوي القضائية التي رفعها الاتحاد العام لمؤسسات دعم اللغة العربية في تشاد في مواجهة قرار إدارة المدرسة الوطنية للإدارة المتضمن إقصاء اللغة العربية وحرمان طلابها من المشاركة في مسابقات الدخول للمدرسة ، يطيب للاتحاد العام أن يضع أمام الرأي العام الوطني والدولي كل الحقائق المتعلقة بتطورات هذه القضية التي هي قضية رأي عام ليست قضية شخصية من كلا الطرفين.
وذلك فيما يلي:
أولا: التسلسل التاريخي للقضية:
إن المدرسة الوطنية للإدارة هي مؤسسة تعليمية عامة تأسست في العام 1963 لتقوم بإعداد الكوادر الإدارية التي تتولى إدارة مؤسسات الدولة في مختلف المجالات سواء في العاصمة أو الأقاليم والمحافظات.
وقد ظلت هذه المدرسة طوال ما يزيد على نصف قرن تدرس فقط باللغة الفرنسية في إطار السياسة الموروثة عن الاستعمار الفرنسي بإقصاء اللغة العربية ودارسيها من المشاركة في أي جزء من إدارة الدولة، وظل خريجو هذه المدرسة هم الذين يسيطرون على مفاصل الدولة طوال هذه الفترة.
ومع تطور وارتفاع وتيرة المطالبات الوطنية التي شارك فيها الغيورون من جميع فئات الشعب التشادي باستعادة مكانة اللغة العربية مكانتها الطبيعية في الإدارة العامة للدولة كما كانت في عهد الممالك الوطنية السابقة، لاسيما بعد اتخاذ ممثلي الشعب قرارهم في المؤتمر الوطني المستقل عام 1993 باعتماد العربية لغة رسمية للدولة مساوية للفرنسية، وموافقة الشعب التشادي كله على هذا القرار عبر الاستفتاء الشعبي العام على دستور البلاد لعام 1996م،
لذا فقد ظهرت قضية المدرسة الوطنية للإدارة والقضاء في مقدمة المؤسسات العامة للدولة التي يجب إدخال اللغة العربية في برامجها الدراسية تطبيقا للنص الدستوري الذي اشتهر إعلاميا بمصطلح: الثنائية اللغوية.
وقد استجاب فخامة السيد رئيس الجمهورية الراحل المشير إدريس ديبي إتنو رحمه الله لهذه المطالب الشعبية ذات الشرعية القانونية والدستورية، فصدر القانون رقم: 037 لعام 2014 ، بموافقة ممثلي الشعب التشادي في البرلمان،
بإصلاح المدرسة الوطنية للإدارة والقضاء بتحويل اسمها إلى المدرسة الوطنية للإدارة، حيث أوكل الشق المتعلق بالقضاء إلى المعهد الوطني للتكوين القضائي الذي أنشئ في تلك الفترة وقطع شوطا كبيرا في تطبيق الثنائية اللغوية ومشاركة مثقفي العربية في السلك القضائي بصورة متساوية تماما مع الدارسين بالفرنسية.
ثم صدر المرسوم الرئاسي رقم: 1674 لعام 2018 الذي ينص في مادته (35) بأن مسابقات الدخول للمدرسة الوطنية يجب أن تجرى باللغتين الرسميتين للدولة، وهو ما يعني أنها مفتوحة للدارسين بالعربية والدارسين بالفرنسية.
وقد بدأت المدرسة في اتخاذ خطوات إيجابية في تطبق الثنائية اللغوية في برامجها الدراسية من خلال القسمين اللذين تم افتتاحهما كقسمين نموذجيين لتطبيق الثنائية اللغوية، وهما: قسم المترجمين، وقسم المساعدين الإداريين، حيث كانت الآمال معلقة على هذه المدرسة لتخطو خطوات إيجابية أكثر جدية في سبيل تطبيق الثنائية اللغوية في جميع الأقسام الدراسية التي تضمها.
لكن المفاجأة الكبرى أن إدارة المدرسة بدلا من توسعة التجربة الإيجابية، وقبل أن تتخرج الدفعة الأولى من الطلاب ثنائيي اللغة الذين دخلوا إلى المدرسة في عهد فخامة المشير الراحل، أعلنت من خلال إعلان رسمي وقعه مديرها العام عن إيقاف استخدام العربية في إجراء مسابقات الدخول للعام الدراسي الجديد، ومن ثم إيقافها أيضا عن الاستخدام كلغة للدراسة، والاقتصار فقط على اللغة الفرنسية، وهو ما يعني عمليا حرمان الدارسين باللغة العربية من الاستفادة من الفرص التأهيلية التي توفرها هذه المدرسة في إعداد الكوادر الوطنية في مختلف المجالات الإدارية، وإغلاق هذين القسمين النموذجيين.
فهذا ما أثار موجة عارمة من السخط والاستياء بين مثقفي اللغة العربية وأوضح أن هناك من لا يريدون تطبيق المساواة بين مثقفي العربية والفرنسية رغم كونهم جميعا من المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات.
وقد تحركت المؤسسات المهتمة بأمر اللغة العربية وتطبيق الثنائية اللغوية بجهود حثيثة من أجل احتواء الموقف ومعالجة هذا الخطأ الذي ارتكبته إدارة المدرسة، وكان من هذه التحركات زيارة وفد من الاتحاد العام لمؤسسات دعم اللغة العربية في تشاد إلى مقر المدرسة والالتقاء بإدارتها للاستفسار عن حقيقة هذا الموقف المفاجئ الغريب، فكان التبرير الأساسي من إدارة المدرسة بأن الميزانية المتوفرة لديهم لا تكفي لتطبيق الدراسة ومسابقات الدخول باللغتين ، لذا رأوا الاقتصار فقط على الدارسين بالفرنسية. وقد عبر الاتحاد عن رفضه هذا التبرير ودعا إلى تقسيم الميزانية المتوفرة بين الأقسام الدراسية الموجودة بحيث يكون القسمان بالفرنسية والقسمان بالعربية، ولكن إدارة المدرسة لم تستجب لهذا الاقتراح، وربطت الأمر بصدور توجيهات لهم من الجهات العليا بالدولة.
كما شارك الاتحاد باعتباره عضوا في منصة اللغة العربية في تشاد في اللقاءات التي أجرها المنصة مع بعض الجهات الرسمية العليا في الدولة والتي أكدت أحقية مثقفي العربية وعدالة مطالبهم هذه، ووعدت بمعالجة هذا الخطأ مع الجهات المختصة، ولكن لم يظهر حتى الآن أي أثر ملموس لحل هذه الأزمة، بينما استمرت إدارة المدرسة في تنفيذ قرارها الخاطئ المخالف للدستور والميثاق الانتقالي والمخالف للمرسوم الرئاسي الذي يتضمن نظامها الأساسي وتسيير شؤونها، وأصبح واضحا إصرار الإدارة على فرض سياسة الأمر الواقع حتى لو كان ذلك مخالفا للنصوص القانونية والنظم الدستورية للبلاد.
فلم يجد الاتحاد كجهة معنية بالدفاع عن حقوق مثقفي العربية وتطبيق الثنائية اللغوية حلا آخر إلا اللجوء إلى القضاء لإيقاف هذا الخرق القانوني وإجبار إدارة المدرسة للتراجع عن هذا القرار غير الشرعي.
ثانيا: الأسس القانونية للقضية:
من خلال متابعة هذا الموضوع ودراسة أبعاده القانونية بالتشاور مع الخبراء والمختصين القانونيين، تبين أن قرار إدارة المدرسة خالف النصوص القانونية على النحو التالي:
1- يخالف الميثاق الانتقالي في مادته الثالثة التي تنص على أن اللغتين الرسميتين للدولة هما : الفرنسية والعربية.
2- يخالف المرسوم الرئاسي رقم: 1674 الصادر بتاريخ 18/10/2018 الذي ينص على أن مسابقات الدخول للمدرسة الوطنية للإدارة تجرى باللغتين الرسميتين للدولة.
3- يخالف القرار رقم: 009 الذي أصدره فخامة رئيس الجمهورية الفريق محمد إدريس ديبي إتنو لفتح مسابقات الدخول للمدرسة الوطنية للإدارة للعام 2021- 2022، والذي اعتمد في ديباجته على المرسوم رقم: 1674 لعام 2018م.
ثالثا: ما المطلوب الآن؟
من خلال ما سبق، يود الاتحاد العام لمؤسسات دعم اللغة العربية في تشاد أن يؤكد للرأي العام ما يلي:
1- هذه القضية تتعلق بالحقوق المشروعة لأبناء الشعب التشادي الدارسين باللغة العربية والتي كفلها النصوص الدستورية والقانونية للبلاد، وتتفق تماما مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تمنع التمييز العنصري على أو على أساس العرق أو اللغة أو الدين ونحو ذلك.
2- يدعو الاتحاد جميع منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية إلى اتخاذ موقف أكثر إيجابية تجاه الحقوق المشروعة للمواطنين الدارسين باللغة العربية وعدم التزام الصمت تجاه مظاهر التمييز والإقصاء التي تمارس ضدهم من هذا الطرف أو ذاك.
3- يؤكد الاتحاد أن مثقفي العربية ليست لهم أي عداوة تجاه إخوانهم الدارسين بالفرنسية ولا تجاه اللغة الفرنسية كلغة، وإنما يطالبون بحقوقهم ويدافعون عن اللغة العربية كلغة معبرة عن الهوية الوطنية والتراث الثقافي والحضاري المشترك لجميع ابناء الشعب التشادي بجميع انتماءاتهم العرقية والدينية والإقليمية.
4- يأمل الاتحاد من السلطات القضائية المختصة الإصغاء إلى ضميرهم المهني فقط واتخاذ القرارات السليمة وفق النصوص القانونية بما يؤكد نزاهة القضاء التشادي وتجرده والتزامه الكامل بتطبيق العدالة وإعادة الحق إلى نصابه.
5- يناشد الاتحاد القيادة العليا للدولة ممثلة في فخامة السيد رئيس الجمهورية رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق محمد إدريس ديبي إتنو بصفته الضامن الأول لتطبيق العدالة، لمواصلة جهوده الرامية الى فرض سيادة القانون وإقامة دولة الحقوق والمؤسسات وعدم السماح لأي جهة كانت لممارسة الضغوط السلبية التي تؤدي إلى انحراف القضية عن مسارها وعدم تطبيق العدالة.
6- يدعو الاتحاد جميع مثقفي اللغة العربية ومحبيها وكل أبناء الشعب التشادي للتضامن والتلاحم من أجل أن تأخذ القضية مسارها الصحيح وإرجاع الحقوق لأصحابها وتحقيق المساواة الكاملة بين المواطنين دون أي تمييز.
وختاما، يتقدم الاتحاد بجزيل شكره وتقديره إلى سعادة المحامي آدم موسى الذي أكد التزامه بالدفاع عن هذه القضية العدالة وتنازله عن حقوقه المادية المتعلقة بأتعاب المحاماة، فله منا كل الشكر والتقدير.
والشكر والتقدير لللإخوة الإعلاميين وكل من ساهم أو يسهم في خدمة اللغة العربية ونصرة قضيتها العادلة بأي شكل، من قريب أو بعيد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حرر في انجمينا بتاريخ: ١٠ سبتمبر ٢٠٢١م.
رئيس الاتحاد العام
د. حسب الله مهدي فضله

المصدر: شاري إنفو