(Tchadinfos) :أنجمينا

منذ العام 2018 وحتى يومنا هذا نجد أن في منطقة الشمال الصحراوي او ما يسمى بـ”الساحل الأفريقي” هنالك موجة إنقلابات يسبقها مطالبات شعبية قوية من نوعها لم يسبق لها مثيل أو الحملات الإرهابية المتطرفة التي تشن هجوماً تلو الآخر في كثير من تلك الدول.

ولا ننسى أيضاً، ولّدت أعمال العنف صدمة في جميع أنحاء تلك المنطقة مما يدل مرة أخرى على قوة مشاعر العداء للتواجد الفرنسي في العديد من المستعمرات الفرنسية السابقة في إفريقيا.

بدأً بـ”أفريقيا الوسطى” حيث المخاض السياسي الصعب والتي يمثل إنتقال السلطة فيها تحدياً كبيراً لإستقرار البلاد مما أسهم في تعقيد المشهد السياسي والإجتماعي.  فـ”أفريقيا الوسطى” هي من أكثر الدول الأفريقية التي عاشت إنقلابات عسكرية متعددة حيث تم تغيير السلطة فيها بـ”خمسة” إنقلابات عسكرية سابقة حتى عام 2013 شهدت البلاد صراعاً يسميه البعض بالـ”غير مفهوم” صراع مختلط بـ”السياسي، الديني، والإثني” بين مجموعات مسلحة تسمى “السيليكا، والأنتي بالاكا” صراع دام لسنوات عدة مما أدخل البلاد في أزمات لايزال مدى تأثيرها قائماً حتى يومنا هذا.

:من هنا بدأت القصة

بدأ التواجد الروسي عام 2017 والذي يعتبر الأول من نوعه في منطقة الساحل الأفريقي بصفة عامة وفي “أفريقيا الوسطى” على وجه الخصوص، فقد أعلنت “روسيا” حينها عن إرسال تبرع بالأسلحة الخفيفة إلى “جمهورية أفريقيا الوسطى” الإقتراح الذي حظي على موافقة جميع أعضاء “مجلس الأمن الدولي”.  التبرع بالأسلحة الخفيفة من روسيا، تلقائياً تحول إلى إرسال 170 مدرباً مدنياً وبالإضافة إلى خمسة أفراد عسكريين في مهمة أمنية تحت غطاء زائف متعلق بحراسة مواد بناء ومستشفيات تنشئها روسيا في البلاد.

وبعد مرور عدة أيام إنكشف الغطاء عن المهمة وتبين للرأي بأن الذين تم إرسالهم نخبة من الروس التابعين لمجموعتي “سيرا للخدما الأمنية، وفاغنر التي يديرها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”، وقد تم تحديد موقع إقامتهم أيضاً في القصر المهجور التابع للإمبراطور “بوكاسا” سابقاً.

ومنذ ذلك الوقت، تمكنت روسيا من السيطرة على جميع العمليات الأمنية في أفريقيا والوسطى، وتطورت العلاقات حتى عام 2018 تم توقيع إتفاقية تعاون عسكري يتم من خلالها إفتتاح مكتب تمثيل لوزارة الدفاع الروسية في العاصمة بانغي. وعقب مراسم التوقيع، أعلن رئيس أفريقيا الوسطى “فوستين أرشانج” عن أن بلاده على صدد دراسة مشروع إنشاء قاعدة عسكرية روسية في أراضيها.

في ذات الإطار، و”فرنسا” من جانبها لمواجهة التقدم الروسي في جمهورية “أفريقيا الوسطى” قامت بسحب جزء من طاقمها العسكري وجمدت مساعداتها المالية التي تبلغ عشرة ملايين يورو وعلَّقت التعاون العسكري الثنائي في ظل اتهامات لحكومة “فوستين أرشانج” بالتواطؤ مع حملة مناهِضة لفرنسا تقودها روسيا.

!…معركة إثبات الوجود والتوسع في الساحل الأفريقي…!

بدأت العمليات الروسية بالتوسع في منطقة “الساحل الأفريقي” من خلال إستهداف عدة دول بسياسات مختلفة وعبر البوابة العظمى التي تسمى “فاغنر” الشركة الأمنية التي تواجه تساؤلات وشكوك عالمية وذلك عقب عمليات التسميم التي قامت بها في علاقات باماكو وباريس.

منذ عام 2013، عاشت دولة “مالي” إضطراباً أمنياً لم يسبق له مثيل وذلك عقب التدخل الفرنسي في شمال البلاد لمحاربة الجماعات المسلحة مما أدى إلى إرتفاع العنف المسلح في سنة تلو الأخرى وأيضاً ارتفاع عدد القتلى المدنيين والعسكريين وليس في “مالي” فحسب، لقد إمتدت إلى بوركينا فاسو والنيجر حتى تصاعد عدّاد التهديدات إلى دولتي ساحل العاج وبنين.

لمواجهة هذا الوضع، سعت بلدان الساحل الأفريقي إلى البحث عن بدائل للقوات الفرنسية، خاصة بعدما خرجت تظاهرات شعبية في دول عدة منددة بإرتفاع عمليات العنف المسلح ورافضة الوجود الفرنسي في المنطقة.

في ظل العقوبات الإقليمية وبالإضافة إلى قرارات قادة منظمة الـ”إيكواس” التي تقضي بإغلاق حدود اراضيهم مع “مالي” مع سحب كافة الدبوماسيين وتجميد العمليات المصرفية المشتركة وأيضاً إلغاء كافة أشكال التعاون معها، في سابقة لم تعرف لها المنظمة مثيل في صرامة مثل هذه العقوبات منذ تأسيسها قبل حوالي نصف قرن.

في التاسع من يوليو 2021، أعلن رئيس المجلس الإنتقالي العقيدي “أسيمي غويتا” أن بلاده ستباشر إغلاق قواعدها في شمال مالي قبل نهاية العام، في ظل خفض عدد القوات الفرنسية الموجودة في منطقة الساحل، وأضاف أن إغلاق القواعد في كيدال وتساليت وتمبكتو“سيستكمل بحلول مطلع العام 2022″، مشيرا إلى أن فرنسا تستعد لخفض عدد قواتها في منطقة الساحل، وستصبح ما بين 2500 و3 آلاف عنصر في المنطقة، مقابل 5100 حاليا، مضيفاً أن هذا التحول الذي سينتهي بإغلاق القواعد العسكرية في شمال مالي، يضع أمامنا ضرورة التكيف مع الوضع الجديد للمجموعات الإرهابية، ومواكبة تحمل دول المنطقة للمسؤولية.

في ذات الإطار، فإن الإنسحاب الفرنسي من مالي يؤكد الفقدان الكامل للمصالح الفرنسية في البلاد مما يؤدي إلى فقدان الهيمنة الإقتصادية والثقافية وكذلك دمار في ذلك الحلم الإمبراطوري، مع إعلان واضح بفتح نافذة مهمة أمام الروس تتيح لهم فرصة التوسع في منطقة الساحل والصحراء.

وفي الـ15 من أغسطس 2022، أعلنت فرنسا عن إنسحاب آخر جنودها في “مالي” عقب تواجد دام 9 سنوات في إطار العلميات العسكرية لقوة “برخان”.  وبهذا، فرنسا تضع نقطة في أخر سطر المصالح الفرنسية في مالي.

!…الأيادي الروسية في إنقلاب بوركينا فاسو

عقب الإنقلاب الأخير في بوركينا فاسو من قبل الكابتن “إبراهيم تراوري” الذي تولى السلطة في البلاد من خلال إنقلاب عسكري.  ولكن الغريب في الأمر، بأن هنالك مجموعة من الشبان خرجت تسير في شوارع العاصمة “واغادوغو” وهي تلوح بالأعلام الروسية وهو أمر من المؤكد أنه سيرسم السعادة في قلب الجانب الروسي.
في ظل أن التواجد الروسي قليل نوعاً ما في “بوركينا فاسو” إلى أن هنالك تكهنات أيضاً تؤكد بأن موسكو لعبت دوراً مهماً في نجاح هذا الإنقلاب.

الأمر الذي أثار جدلاً في الصعيد الدولي والذي يجعل تلك التكهنات أمراً مؤكداً، أن رجل الأعمال الروسي ومؤسس جماعة “فاغنر” الروسية التي تنشط في العديد من دول الساحل الأفريقي السيد “يفغيني بريغوزين” قام بتهنئة رئيس الزمرة العسكرية التي قامت بالإنقلاب، ووصفه أيضاً بالشجاع والمحب لوطنه بروكينا فاسو.  وأضاف أيضاً، “كان شعب بوركينا فاسو يئن تحت نير المستعمرين الذين سرقوا قوته ومارسوا ألاعيبهم القذرة ودربوا ودعموا عصابات قطاع الطرق وتسببوا بالكثير من الآلام لمواطني هذا البلد” في إشارة إلى “فرنسا” القوة المستعمرة السابقة لهذا البلد

الجدير بالذكر: أن اولئك الذين رحبوا بالإنقلابات في بعض الدول الواقعة في غرب إفريقيا لم برفع الأعلام الروسية فحسب بل هاجموا أيضاً المؤسسات الفرنسية بما في ذلك السفارة.

الساحل والصحراء، هل سيواجه مثل هذه الأزمات مرة أخرى؟

النفوذ الفرنسي يتلاشى بالتوالي في كثير من دول الساحل الأفريقي، بدأً بـ”أفريقيا الوسطى” وإنتهاءً بـ”مالي” وبوركينا فاسو التي دعت إلى التخلي الكامل عن فرنسا، ولكن سينكشف الستار عن الحقائق في قادم الأيام.

الوجهة التالية…؟

بالعودة إلى العديد من المحللين ومايتم الترويج لها عبر العديد من القنوات الإخبارية بأن “النيجر” تواجه تدهوراً في البيئة الأمنية في ظل محاولة قوية من الجانب الروسي هدفها الإستفادة من مناجم اليورانيوم في البلاد.

وعليه، فإن السنوات الأخيرة ظهرت موجة من التظاهرات التي تطالب بمغادرة الفرنسيين في عديد من دول الساحل منها “أفريقيا الوسطى، ومالي، وبوركينا فاسو” وكذلك جمهورية تشاد التي خرج شعبها مناهضاً للوجود الفرنسي في بلاده عبر مظاهرات حاشدة كان لها صدى عالمي في الـ14 من مايو 2022 بينما الجانب الفرنسي قام بإلتزام سياسة الصمت.

إن الأيام القادمة ستكشف لنا الستار عن عديد من التساؤلات بشأن التدهور الذي قبالة دولة “النيجر” الأن، فـ ابقوا على تواصل مع منصات “تشاد إنفو” المختلفة.

من غرفة التحرير: محمد كبرو حسين